ترفض جويل بدر وهي عابرة جنسياً، الإفصاح عن اسمها الذكوري الحقيقي، بعدما سعت جاهدة الى دفن خفايا ماضيها. الماضي الذي أثقل كاهلها حين عاشت سنوات في حيرة تبحث عن هويّة جنسها.
منذ نعومة أظافرها تعيش جويل بروح أنثوية، لا تعرف عن حياة الذكورية سوى الاسم الذي أطلقه عليها والدها. الاسم الذي لا تتحمّل ان يلفظه أحد امامها.
داخل منزلها ، تسيطر الألوان الزهرية على ديكور الغرف. ربما هي رسالة بسيطة من جويل إلى كل من يزورها، ليتعرف كخطوة أولى الى شخصيتها.
تستقبلك سيدة طويلة القامة، نحيفة الجسد، صاحبة الشعر الأسود كالحرير. تظهر باطلالة أنيقة، لا تكاد تصدّق بأنّ هذه المرأة كانت يوماً ما رجلاً ، قبل أن تخضع لعملية التصحيح.
وحده صوتها يخونها، إذ يصعب عليها التخلص من خشونته، رغم ذلك لا يشكّل لها أي عقدة نفسية، لأنها متصالحة مع نفسها، بحسب تعبيرها.
يصعب على جويل العودة إلى الماضي وسرد بعض القصص. تضحك ثم تقول “قصتي بدها فيلم وثائقي”. تختصر الإجابة وتلفت الى أنها عاشت طفولة صعبة لا تشبه حياة الاطفال العادية، ولا تذكر منها سوى التنمّر الذي رافقها لسنوات”. لم تلهُ جويل مع اترابها ولم تتمتع باختيار اللعبة المفضّلة. تم تصنيفها ذكراً عنوةً، بينما كانت روحها تنبض بمشاعر الانثى. لم يرحمها محيطها، فكان أبناء منطقتها يسخرون منها ويطلقون عليها لقب “النعنوع”.
لم تكن أنثوية المظهر ، وكانت ترتدي الألبسة الذكورية، الا ان تصرفاتها جميعها كانت تؤكد ميولها الجنسية.
بداية، لم تستطع عائلة جويل تأمين مصاريف عملية التصحيح، فعاشت فترة طويلة مع خيبة امل وهي تحارب اضطهادها من المجتمع الذي لم يتقبّل حالتها.
اليوم، تبلغ جويل من العمر 27 عاماً، الا انها فعلياً ابصرت النور منذ ست سنوات كما تقول، حين حوّلت حياتها رسمياً الى حياة انثى، ونجحت في التخلص من كل ما يدلّ على ذكوريتها الحقيقية. لا تحزن لعدم امتلاكها أي صورة من الطفولة او المراهقة، بل تعبّر عن فرحتها لفقدانها جميع الصور التي احترقت خلال حرب تموز ٢٠٠٦، بعد تعرض منزل عائلتها للقصف الاسرائيلي.
تحدّت جويل مجتمعها بصعوبة، لتثير جدلاً كبيراً منذ سنوات وحتى الساعة على مواقع التواصل الاجتماعي. تارةً تقرّر ارتداء الحجاب لتخلعه بعد فترة، وطوراً تقرّر الغناء وتصوير فيديو كليب، ناهيك عن مواقف أخرى جعلتها حديث الساعة.
تعزو جويل السبب في تصرفاتها المذكورة الى رغبتها في التصرف كأنثى دون أي رادع. تعتبر أنها نجحت في المهمة. لا شيء يصعب عليها اليوم.
تنشر صورها على صفحاتها الرسمية كما تصور فيديوهات خاصة بها ، لترفع عدد متابعيها في لبنان والعالم العربي.
اليوم، تنتقل جويل إلى مرحلة أكثر جديةً. مرحلة اكثر جدلاً، بعدما قرّرت الزواج من “فارس أحلامها” كما تسميه.
تعرّفت إلى شاب يدعى حسين منذ فترة ووقعت في حبّه. أما حسين فهو من الأشخاص الداعمين لجويل، وقد تقبّل حالتها وتأقلم مع الواقع. لا يمانع الزواج بها، فهي بنظره “انثى اكثر من أي انثى أخرى”.
مؤخراً، نشرت جويل فيديو خاص يظهر كيف فاجأها خطيبها بطلب الزواج وقدّم لها خاتماً من الماس مع باقة ورود. تسأل جويل “ما المانع من ذلك؟”، لتجيب “سأرتدي الأبيض كأي امراة وأنجب أطفالاً…”.
يقاطعنا صوت رجل صادر من الخارج “جويل وينك بابا؟”. يقترب من ابنته ويقبّلها. يعرّف عن نفسه “أنا ابو جويل، لديّ ثلاثة بنات وجويل أكبرهن”.
نسأله عن رأيه بجويل، فيجيب بفخر “هاي ست الستات”. نتابع لنسأل إذا كان يخاف عليها من نظرة المجتمع. لا يبالي ويؤكد ان الخوف فقط ينتابه كلما خرجت جويل من المنزل، لأنه يخشى أن يوقفها حاجز ويسأل عن هويتها، على اعتبار أنها ترفض الاحتفاظ بأوراقها الثبوتية الحقيقية التي تُظهر اسمها الذكوري الحقيقي .
بعض الفتاوى ساعدت جويل حين أكّدت أن هويتها الجنسية أنثى، وفقاً للتقارير الطبية التي تملكها الأخيرة، وإحداها صادرة عن المفتي الشيخ أحمد طالب.
منذ فترة تحاول جويل الحصول على أوراق ثبوتية جديدة ، وهي تنتظر اليوم قرار القضاء لتكون أوّل عابرة جنسية في لبنان تنجح في تغيير هويتها الرسمية.
ينظر والدها إليها من جديد ويعدها بالحصول على هويتها الرسمية. تغرورق عيناه بالدموع قبل أن يخاطبها “حلمي شوفك ضاهرة من بيتي بالأبيض يا بنتي، وإحمل ولادك على ايدي…”.
اعداد: زينة برجاوي
مونتاج: غادة حاطوم